سهر الليالي Admin
عدد المساهمات : 226 نقاط : 330 السٌّمعَة : 2 تاريخ التسجيل : 26/02/2012
| موضوع: شمعة الموت " قصة قصيرة " الروائى توفيق عبيد الإثنين أكتوبر 08, 2012 12:18 am | |
| . شمعة الموت ( قصة قصيرة ) للروائي توفيق عبيد عاد صامد الغالي الى بيته بعد ان سقطت الشمس خلف الأفق البعيد و احتجبت في مخدعها , عاد صامد من عمله الشاق كعامل بناء في ورشة كبيرة لبناء احد ابراج غزة , القى بجسده المتعب على الاريكة الوحيدة البالية في بيته وترك العنان لنفسه المتهالكة ان تحوم فوق راسه في بيته المتواضع الذي غمره الليل وخيم السكون على جنباته وهجعت الحياة في حى النور الذي يلفه الظلام الدامس , أخذت نسمات هواء عليل تداعب جسد صامد المنهك بعد يوم عمل شاق ,أشعل لفافة تبغ وأخذ ينفث الدخان في دوائر متلاحقة على ضوء شمعة , أخذت قضية الحصار تشل أحلامه ونقص البنزين يسجن خيالة ونقص الغاز يقض مضجعه ... يتمنى عودة الكهرباء بخسارة نصف عمره !!! وفي خضم عملية اجترار الهموم و الأحزان ... فجأة يرن جوال صامد ... هاتفه الخلوي يقرع جرساً في بحر السكون المترامي , يرد صامد ... يقف منتصباً متأهباً ... دبت في أوصاله حياة ... قوة غريبة سرت في عروقه بعد سماعه جاره صابر يبلغه أن محطة بئر السبع للبترول بها بنزين !!! تناول جالون بلاستيكي سعة 20 لتر وترك بيته على عجل باتجاه المحطة ...سرعان ما تحول المشي الى هرولة ... ما هي الا دقائق حتى وصل المحطة , خلائق من كل مكان ... ناس من كل حدب وصوب ... أكوام من البشر تراصت في أشباه طوابير !!! طابور للنساء و طابور للرجال و الصبيان ... أخذت أشباه الطوابير تزداد كثافة و طولاً ... أخذت النساء يتدافعن ... أخذن في التساقط أرضاً !!! وما ان تقوم احداهن حتى تسقط غيرها !!! أخذ الرجال و الصبيان يتدافعون و يتشاجرون !!! حضرت دورية من الشرطة لحفظ الأمن و النظام و الاشراف على توزيع البنزين الذي يعتمد سكان غزة عليه في تشغيل مولدات الكهرباء الصغيرة لانارة منازلهم في ظل انقطاع الكهرباء الذي يمتد في معظم الاحيان الى ثماني عشرة ساعة في اليوم , الساعة السادسة مساءً بدأ عامل المحطة بملء أول جالون بنزين .... التعليمات ضخ بنزين في كل جالون فقط بـ 50 شيكل !! اي ما يعادل 12 لتر .بدأ الضخ وبدأت الجموع الغفيرة من البشر بالتدافع ... سقطت أوهام طابور النساء و سقط طابور الرجال في براثن الفوضى , تدافع الناس بعنف ... القوي أسقط الضعيف !! بداية الطابور أصبح في ذيله !!!تحدي الأمن دفع برجال الشرطة الى فرض النظام بقوة الهراوات !! وأخذوا يصيحون ويضربون الجالونات بالهراوات !!! تعود أشباه الطوابير الى التشكل ولكن سرعان ما تحل الفوضى محل النظام ... أستشاط رجال الأمن غضباً ... أخذوا يضربون رموز الفوضى ... هراوة سقطت على على خاصرة صبي ... سقط أرضاً في زمن السقوط وأصبح مجرد رقم في سلسلة أرقام من سقطوا أرضاً على خاصرة الزمن الصعب . الجموع لم تكترث لعدد المتساقطين ولا تلقي بالاً لهوية من هوى وظل صامد معلقاً في طابور البنزين كريشة في مهب الأيام !!!لاحت بشائر الفرح ...أصبح رقمة خمسة ... دقائق معدودة ويصبح البنزين في الجالون , صبي خارج الطابور يحاول الولوج الى مقدمة الطابور ... شجار يحدث بينه وبين من هم في بداية الطابور ... هرج ومرج !!! تعم الفوضى ... تتدخل الشرطة لفرض النظام , صامد يفعل المد والجزر البشري يصبح في نهاية الطابور !!! عبثاً يحاول اقناع الضابط ... هراوة ترتفع في الهواء ... كرامته أصبحت رهنية الطابور والبنزين او السقوط ...آثر السلامة مع بقايا الكرامة وعاد أدراجه خالي الوفاض مع دقات الساعة التاسعة مساءاً .أضاء شمعة في غرفة الأولاد لحمايتهم من كوابيس الظلام وهواجس الخوف ... القي بنفسه على السرير ... دقائق معدودة وأصبح صامد يغط في نوم عميق ... حرارة غريبة أخذت تداعب جسده ...سرعان ما أكتوى بنارها ... قفز مذعوراً من نومه والنيران تلتهم البيت ... شبت النار في قميصه ... عبثاً حاول اطفاء النار المستعرة في بيته ... حاول انقاذ زوجته و أطفاله الثلاثة ... هبت النار في ملابسه وأخذت بشواء لحمه ... أخذ بالصراخ والرقص محروقاً من شدة الألم ... فر من بيته باتجاه الشارع , أخذ يتدحرج على أرضية الشارع محاولاً اطفاء النار ... هرع الجيران ولفوه ببطانية وأطفئوا ناره ... تعاونوا بالرمال وجالونات الماء لاطفاء حريق البيت ... هرعت سيارات الاسعاف ونقلت الأم و أولادها الثلاثة ... و صامد !!!ثلاث جثث متفحمة للأبناء الثلاثة أدخلت ثلاجة الموتى ... هربت من الظلام الى أحضان الموت .. جثث مرفقة بتقرير طبي... سبب الوفاه حروق شديدة , الأم أدخلت المستشفى ... ما زالت على قيد الحياه و تعاني من حروق شديدة , صامد أيضاً أدخل المستشفى وهو يعاني من حروق متوسطة .في قسم الحروق بمستشفى الشفاء يركز صامد نظره صوب سقف الغرفة ... يرى المجلس التشريعي الي منعقداً لدراسة الكارثة ... وزير الطاقة يقدم استقالته !!! رئاسة الوزارة في رام الله ورئاسة الوزارة في غزة تتحد في وزارة طوارئ واحدة !!! وزير الداخلية يقدم استقالته !!! الرئاسة تفكر في يوم حداد وطني !!! الأعلام يركز الأضواء.. صامد يا غالى .. صامد ما يهزك نار!! و ما النصر الا صبر حريق!! .... انقطع حبل أفكار صامد على صدى صوت صابر قائلاً :- الحمد لله على السلامة يا صامد . - الله يسلمك من كل شر يا صابر .- خذ هذه الفاتورة !!- أيه فاتورة يا صابر ؟ هل هي مساعدة ؟!!- فاتورة بـ 150 شيكل واجبة الدفع ... فاتورة المطافي !!!
| |
|